سنبكي ضحايا بوركون الذين تناولوا سحورهم مطمئنين، على أمل معانقة يوم صوم جديد، كتب أن يقضوه مطمورين في التراب. وسيخرج علينا المسؤولون عن تلك النكبة بمختلف التصريحات المتضامنة، دون أن يقود ذلك إلى تحقيق جدي وشامل، ليس لكشف حقيقة ما حدث ليلة انهيار عمارات بوركون بالدار البيضاء على رؤوس أصحابها، ولكن لاقتفاء أثر آلاف البيوت التي تنتظر دورها في السقوط ما لم يتم تفكيك أخطبوط الفساد الذي أصبح القاتل الأول للمغاربة.
صور فاجعة انهيار عمارات الدار البيضاء تزيد فداحة حين نتابع بدائية عمليات البحث عن ناجين، وعدم جدوى استغاثة الأحياء الذين ظل بعضهم يئن طلبا للنجدة حتى توقف قلبه عن الخفقان، مثلما حدث للممثلة المغربية أمل معروف، التي ظلت ممسكة بهاتفها النقال عل حرارته تضمن تواصلها مع الحياة، وظلت تطمئن أقرباءها بأنها بخير حتى خارت قواها وانتشلت جثة هامدة رفقة والدتها. والأقسى أنها لفظت أنفاسها الأخيرة بعدما بكت أمها التي توقف نبضها قبلها، وربما لم يسعفها لا الوقت ولا الجهد في مواجهة حداد تحت الأرض.
في المغرب، تبدو حياة الناس رخيصة، وهم يقتلون لأتفه الأسباب. ومجرد صيحة قد تودي بحياتك في هذا البلد السعيد، كما حدث للمصلين في مسجد بمراكش بداية الشهر، حين أدت صرخة مصلية لامست رجلها الحصير فاعتقدت أنها لسعة عقرب، إلى تدافع وسط المصليات توفيت إثره سيدتان.
دعونا نقارن قليلا، فقد أطلق مقاتلو كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، نحو ستمائة صاروخ على إسرائيل، طالت مواقع ومدنا متعددة بينها القدس وتل أبيب وأشكول وأسدود وعسقلان وبئر السبع في النقب ومطار بن غوريون ومنطقة مفاعل ديمونة النووي دون أن يقتل إسرائيلي واحد. أما نحن فمجرد انهيار بناية يقتل ثلاثة وعشرين شخصا ويجرح أكثر من ستين آخرين. وهو انهيار لم يكن ليحدث لو كانت حياة المواطن المغربي تسمو على ما عداها من قوى تجعل الميزان يختل لفائدة لوبيات العقار والمفسدين الذين يشترون بالمال كل شيء، حتى الصمت المفضي للقتل.
ولو كان المهندسون الذين يمنحون الرخص، أعادوا زيارة ما أشروا عليه من بناء، لذهلوا لما سمحت به أيديهم في غفلة من القانون والدولة. حتى أن الزائر لمدننا يجدها دون حياة معمارية تضفي عليها رونقا يشعرك أنك في المغرب. مع أننا نتوفر على أحسن ما أبدعت أنامل الصانع التقليدي. لكن العشوائية هزمت الأصالة، فيما انتصرت أصوات الناخبين المشتراة على أرواح الأبرياء الضحايا. ولو كان القانون يضرب بقوة على أيدي المفسدين، لما كنا أمام مشاهد القتل المتكرر سواء بانهيار العمارات أو المساجد أو انقلاب الحافلات في الطرق، ولغابت مراسم الحداد تحت الأنقاض.
يموت الناس هنا حين يأكلون وجبات غير مراقبة لكنها تباع علنا، ويموتون حين يتم الغش في مواد البناء، ويموتون في المستشفيات العمومية وهم يصورون معاناتهم وتوسلهم للمسؤولين بإنقاذ حياتهم، ويموتون قهرا حين تؤخذ أرضهم غصبا منهم، وتموت النساء الحوامل هناك، بعيدا في الجبال والمداشر النائية لعدم وجود مستوصفات تستقبل المولود الجديد وأمه، ويموت أطفال لمجرد رغبتهم في التخلص من الحرارة بالسباحة في الأودية والأنهار.
ومع ذلك، نحن شعب عاطفي، ندفن الضحايا ونقلب الصفحة. وما الذي يمكننا فعله ونحن نرى أن لا الحكومة دعت إلى اجتماع طارئ، ولا البرلمان قرر الانعقاد لبحث سبل وقف حلقات القتل العشوائي للمغاربة.
تحضر النكبات وتغيب الحكومة رغم أن الحزب الذي يقودها لا يفتر عن الكلام. لم نشاهد احتجاجا على هذا القتل، رغم أننا تابعنا احتجاج أطياف مختلفة على ما يحدث في غزة من دمار وقتل. والاحتجاج الوحيد الذي وصلنا هو الصادر عن حزب العدالة والتنمية، لكنه غير موجه لسكان بوركون وإنما للهيئة العليا للاتصال للسمعي البصري (الهاكا) حول عدم احترام تمثيليته السياسية في النشرات الإخبارية. وإذا كان حزب رئيس الحكومة لا زال يشكو ظلم التلفزيون له، فكيف له أن يرفع الظلم عن المغاربة؟ وإذا كان بنكيران يطالب بحقه في مجرد الكلام، فكيف له أن يضمن حقوق ملايين المغاربة في السكن والعمل والصحة والتعليم؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق